التقويم هو النظام الذي وضعه الإنسان لإحصاء الأيام والأسابيع والشهور والسنين بل والساعات والدقائق والثواني وأجزائها . وهذا النظام لا يزال الشغل الشاغل للناس لاتصاله بحياتهم اليومية العامة والخاصة في شتى المجالات ، فهذا الاهتمام يعني إعطاء الوقت قيمته ، وقديما قيل الوقت من ذهب ، والوقت يعني الحياة ، والحياة هي الزمن الذي يقضيه المرء واعيا بأنه سيؤدي حسابه عن كيفية قضائه ، وهذا الزمان هو ملك الله لا الإنسان .
وقد استخدم الإنسان عبر تاريخه الطويل وحدات زمنية مختلفة في تقاويمه . فقد كان يلجأ عموما إما إلى حركة الشمس الظاهرية حول الأرض ، ليأخذ من دورتها مقياسا يعتمد عليه ، أو إلى حركة القمر حول الأرض ، أو يجمع ما بين الحركتين في إيجاد وحدة زمنية توفيقية . ولهذا تعددت التقاويم وتنوعت . وسوف تجد عزيزي المتصفح لهذا الموقع الرابط الخاص بالتقاويم القمرية والرابط الخاص بالتقاويم الشمسية والرابط الخاص بالتقاويم التوفيقية ، وذلك بطريقة مختصرة وعامة وبسيطة ، كما سنذكر بعض المراجع المهمة التي تتناول موضوع التقاويم لتسهيل الرجوع إليها لمن يطلب التوسع والمزيد .
أصل كلمة تقويم
يستعمل العرب والمسلمون والشرقيون كلمة التقويم ، والروزمانة ، والنتيجة ، وكلها في معنى تبيان وضبط التأريخ واليوم . وكلمة روزمانة فارسية ، تعني اسم اليوم ، وتعني في بلاد الفرس الجريدة أو الصحيفة لأنها تصدر باسم يوم معين وتاريخ محدد .
وجاء في (مختار الصحاح) للرازي بمادة قوّم ، قوّم السلطة تقويما ، وأهل مكة يقولون (استقام) السلعة وهما بمعنى واحد ، (والاستقامة) الاعتدال يقال (استقام) له الأمر . وقوله تعالى : (إنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه) (6 فصلت) أي في التوجه إليه دون الآلهة . و (قوّم) الشيء تقويما فهو (قويم) أي مستقيم .
وقد شاع استعمال لفظة (التقييم) في معنى (التقويم) نجدهم يقولون : تقييم الوظائف ، وتقييم الأعمال ، وتقييم الأثمان ، والاستعمال العربي لم يعرف إلا مادة : (قوّم) .
تـقويم لا تـقـييـم
في هذا المعنى كتب الأستاذ محمد شوقي أمين تحت عنوان (سلطة أدبية) (في مجلة الهلال عدد يناير 1955م.) الآتي :
(تتألق بعض الكلمات على أقلام الكتاب ، ويواتيها الحظ ، فإذا هي شائعة . ومن هذه الكلمات كلمة (التقييم) .
تستعمل هذه الكلمة في معنى تحديد القيمة ، وتعيين المنزلة .... يقال مثلا : إن الخدمة الاجتماعية تحتاج إلى تقييم ، للموازنة بين الأهم منها والمهم .
أو يقال : إن تقييم التعليم يختلف في بلد عنه في بلد آخر .
ويبدو أن كلمة (التقييم) تحتاج في صوغها إلى (تقويم) ! ذلك لأن أصل الفعل : قوم ، لا : قيم . والقيمة أصلها قومة . وطوعا لهذا فإن كلمة (التقييم) لا تصلح من ناحية الاستقامة ولا تستقيم .
قالت اللغة : قوّمت المتاع : جعلت له قيمة معلومة .
ويقال (تقويم البلدان) أي بيان طولها وعرضها وما يتعلق بها . فعلينا أن نتدارك هذه الكلمة الجديدة ، فنستعمل الصيغة الصحيحة (تقويم) ، حتى لا ترسخ في الاستعمال صيغة (تقييم) على ما بها من اعوجاج .
وجاء في لسان العرب : في حديث عبد الله بن عباس (إذا استقمت بنقد فبعت بنقد فلا بأس به ، وإذا استقمت بنقد فبعته بنسيئة فلا خير فيه فهو مكروه) . ويقول أبو عبيد إذا استقمت – يعني قوّمت – وهذا كلام أهل مكة .
والقيمة ثمن الشيء بالتقويم ، تقول تقاوموه فيما بينهم . وفي الحديث الشريف قالوا يا رسول الله لو قوّمت لنا فقال : (الله هو المقوّم) ، أي لو سعّرت لنا ، أي حددت لنا قيمتها .
والقائم بالدين ، المستمسك به الثابت عليه . وقال الله تعالى : (لا يؤدّه إليك إلا ما دمت عليه قائما) 75 آل عمران ، أي مواظبا ملازما (من أهل الكتاب أمة قائمة) 113 آل عمران ، أي مواظبة على الدين ثابتة .
وقيل في الخليفة هو القائم بالأمر ، إذا كان حافظا له متمسكا به ، وقيّم الأمر ، مقيّمه ، وأمر قيّم ، مستقيم ، (ذلك الدين القيّم) 36 التوبة ، أي المستقيم الذي لا زيغ فيه ولا ميل عن الحق (فيها كتب قيّمة) 3 البينة ، أي مستقيمة تبين الحق من الباطل على استواء وبرهان .
وقيّم القوم ، الذي يقوّمهم ويسوس أمرهم .
والقيّم ، السيد .
والقيّوم والقيام في صفة الله تعالى وأسمائه الحسنى بتدبير أمر خلقه في إنشائهم ورزقهم وعلمه بأمكنتهم .
وقد أجمع اللغويون على كلمة التقويم بمعنى الروزمانة .
جاء في (محيط المحيط) :
(قوّم الشيء تقويما ، عدّله ، ومنه تقويم البلدان لإبانة طولها وعرضها ، وقد ذاع تسمية حساب الأوقات بالتقويم) . وربما سمّي حساب الأوقات بالتقويم ، جمعها تقاويم .
كـتـابـة الـتـاريـخ
إن كتابة التاريخ مرتبطة ارتباطا وثيقا بفن تحديد زمان ومكان الوقائع ، فهي عرض مكتوب لها في كل مجال من حياة الأمم . ولئن كان للغرب اليد الطولى في تأسيس هذا الفن الذي كان (أبوه) هيرودوتس – يقترن اسمه بأبي التاريخ - ، فإن العرب قد أسهموا بنصيب وافر في كتابة التاريخ بحيث شملت آثارهم الكتابة في تاريخ أمم غير عربية . (وكان حياد المؤرخين العرب وقلة تحيزهم سمتين عامتين تثير العجب والإعجاب ، وابتكروا ، لضمان الصواب في تسجيل الأحداث ، تأريخها بالسنة والشهر بل باليوم) .
شـرح كـلـمة تأريخ
يقول الجوهري : التاريخ تعريفه الوقت ، ويذهب المستشرق (فرانز روزنتال) الذي تتبع أصل كلمة (تاريخ) في العربية فرجح أنها مستمدّة من الكلمة السامية التي تعني القمر أو الشهر . وعلى هذا الافتراض تكون الترجمة الحرفية لكلمة (تاريخ) هي : التوقيت حسب القمر . ويروى عن ابن عباس ، رضي الله عنه ، أنه قال : (ذكر الله التاريخ في كتابه لأن معاذ بن جبل قال : يا رسول الله ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير ، ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان على حاله الأول ؟ فنزلت الآية : (ويسألونك عن الأهلّة ، قل هي مواقيت للناس) 187 البقرة .
وجاء في الآثار الباقية للبيروني (التأريخ هو مدة معلومة تعد من أول سنة ماضية تعرف بها الأوقات المحددة ، فلا غنى عنها في جميع الأحوال الدنيوية والدينية ، ولكل واحدة من الأمم المتفرقة في الأقاليم تاريخ على حدة وكل ما يتعلق معرفته ببدء الخلق وأحوال الزمان والقرون السالفة فهو مختلط بتزويرات وأساطير لبعد العهد به وامتداد الزمان بيننا وبينه وعجز المعتني به عن حفظه وضبطه وقد قال تعالى : (ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم) 70 التوبة . فإذا نظرنا في هذا التأريخ أولا وجدنا فيه بين هؤلاء الأمم اختلافا كثيرا .
وللدكتور أحمد زكي رأي خاص حول هذا الموضوع ، يقول : (عرفنا الحياة مكانا حاضرا ، وعرفناها زمانا قصيرا ماضيا ، بقدر ما اتسعت له أعمارنا على هذه الأرض .... أما غير ذلك من الزمان ، فأعماق منه ذهبت عنا بعيدة ، فأسميناها أزلا ، وأعماق منه سوف يأتي بها المستقبل ، ونسميها أبدا .... وبين الأزل والأبد ، ضلّت عقولنا وحارت الأفهام !!! .
جـداول المـوافـقـة
إن وضع جداول التقاويم ، والموافقة بين السنين الهجرية والميلادية فنّ قائم بذاته ، ولكنه للأسف لا يدرّس في المدارس ، وقد اهتم العرب والمستشرقون بهذا ، ورغم الجهود الجبارة التي بذلت منهم ، فإن لهم هفوات وأخطاء ، كما أهملوا بعض التفاصيل ، وهذا الأمر يتعلق بالجداول العديدة التي تمّت . ومن خلال مطالعاتنا وقفنا على أسماء عدد من المخطوطات التي وضعها العلماء العرب ، وهي كثيرة ، ونحن نقدم لكم البعض من علماؤنا الأقدمون ومنها :
الرسالة التي وضعها جلال الدين السيوطي بعنوان (الشماريخ في علم التاريخ) .
(الجواهر واليواقيت في معرفة القبلة والمواقيت) لمحمد أمين السويدي .
(سلّم العروج إلى علم المنازل والبروج) لمحمد بن عبد الرحمن بن عفالق .
وغيرها الكثير الكثير مثل ابن سيدة ، والمرزوقي ، والنويري ، والقلقشندي ، وغيرهم .
أما من الأوقات القريبة :
المستشرق الألماني (وستنفلد)الذي طبع تقويمه في لايزبغ عام 1854م. وأعيد طبعه مرة أخرى عام 1926م.
أيضا خير الدين باشا التونسي ، نثر جداول مماثلة في كتابه (أقوم المسالك) .
أيضا العلامة محمود باشا الفلكي الذي وضع التقويم الأكبر عندما ربط بين التواريخ الهجرية والميلادية والقبطية والعبرية .
أما القرآن الكريم فقد دعانا إلى النظر والتفكير وحساب الأيام والسنين ، وإليكم أرقام بعض الآيات حول هذا الموضوع ، وذلك لعدم التطويل :
189 البقرة / 281 البقرة / 36 التوبة / 5 يونس / 12 الإسراء / 22 الحج / 114 المؤمنون / 62 الفرقان / 3 السجدة / 3 المعارج / 7 المعارج / 19 الانفطار .
الـعـهـود والـعـقـود
القرآن الكريم احترم العهود والعقود وكلها مرتبطة بتواريخ محددة وتعهدات مفصلة ، ومثال ذلك الآيات : 282 البقرة / 1 المائدة / 8 المؤمنون . وفي خطبة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع الكثير حول الزمان ومنها (إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الل السموات والأرض ، وإن عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم ) .... والمقصود من استدارة الزمان هو العودة إلى حساب الشهور كما كان منذ بدء الخليقة .... وفي أدعيته صلى الله عليه وسلم الكثير من التحديد الزماني ، مثل :
اللهم اجعل خير زماني آخره ، وخير أعمالي خواتيمها ، وخير أيامي يوم لقاءك .
كلمة الخـتـام للمقدمة
أفضل مباديء التواريخ مبدأ التاريخين الإسلامي والمسيحي حيث حصل فيهما من – إرسال الله تعالى لمحمد وعيسى عليهما الصلاة والسلام – انقلاب عظيم في البشر ، فجعل المسلمون مبدأ تاريخهم هجرة رسولهم ، كما اتخذ النصارى مبدأ تاريخهم ميلاد المسيح . وكان كلّا من هاتين الملتين تعترف أن مبدأ تاريخها هو أول يوم من حياتها ، وما قبله من الأيام كان مدنّسا بأنواع الدرن . ويقول عباس محمود العقاد : (كما أن التقويم الذي بقي كما كان يوم وضعه هو التقويم الذي يقال إنه غير صالح للبقاء ، لأنه لا يصلح لحساب أعمال المعيشة ومواسم الزرع والحصاد ، وذلك تقويم السنة الهجرية ، فمنذ وضع هذا التقويم لم يتغير له نظام ، وقد تغير بعده نظام كل تقويم قديم) .
وقد استخدم الإنسان عبر تاريخه الطويل وحدات زمنية مختلفة في تقاويمه . فقد كان يلجأ عموما إما إلى حركة الشمس الظاهرية حول الأرض ، ليأخذ من دورتها مقياسا يعتمد عليه ، أو إلى حركة القمر حول الأرض ، أو يجمع ما بين الحركتين في إيجاد وحدة زمنية توفيقية . ولهذا تعددت التقاويم وتنوعت . وسوف تجد عزيزي المتصفح لهذا الموقع الرابط الخاص بالتقاويم القمرية والرابط الخاص بالتقاويم الشمسية والرابط الخاص بالتقاويم التوفيقية ، وذلك بطريقة مختصرة وعامة وبسيطة ، كما سنذكر بعض المراجع المهمة التي تتناول موضوع التقاويم لتسهيل الرجوع إليها لمن يطلب التوسع والمزيد .
أصل كلمة تقويم
يستعمل العرب والمسلمون والشرقيون كلمة التقويم ، والروزمانة ، والنتيجة ، وكلها في معنى تبيان وضبط التأريخ واليوم . وكلمة روزمانة فارسية ، تعني اسم اليوم ، وتعني في بلاد الفرس الجريدة أو الصحيفة لأنها تصدر باسم يوم معين وتاريخ محدد .
وجاء في (مختار الصحاح) للرازي بمادة قوّم ، قوّم السلطة تقويما ، وأهل مكة يقولون (استقام) السلعة وهما بمعنى واحد ، (والاستقامة) الاعتدال يقال (استقام) له الأمر . وقوله تعالى : (إنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه) (6 فصلت) أي في التوجه إليه دون الآلهة . و (قوّم) الشيء تقويما فهو (قويم) أي مستقيم .
وقد شاع استعمال لفظة (التقييم) في معنى (التقويم) نجدهم يقولون : تقييم الوظائف ، وتقييم الأعمال ، وتقييم الأثمان ، والاستعمال العربي لم يعرف إلا مادة : (قوّم) .
تـقويم لا تـقـييـم
في هذا المعنى كتب الأستاذ محمد شوقي أمين تحت عنوان (سلطة أدبية) (في مجلة الهلال عدد يناير 1955م.) الآتي :
(تتألق بعض الكلمات على أقلام الكتاب ، ويواتيها الحظ ، فإذا هي شائعة . ومن هذه الكلمات كلمة (التقييم) .
تستعمل هذه الكلمة في معنى تحديد القيمة ، وتعيين المنزلة .... يقال مثلا : إن الخدمة الاجتماعية تحتاج إلى تقييم ، للموازنة بين الأهم منها والمهم .
أو يقال : إن تقييم التعليم يختلف في بلد عنه في بلد آخر .
ويبدو أن كلمة (التقييم) تحتاج في صوغها إلى (تقويم) ! ذلك لأن أصل الفعل : قوم ، لا : قيم . والقيمة أصلها قومة . وطوعا لهذا فإن كلمة (التقييم) لا تصلح من ناحية الاستقامة ولا تستقيم .
قالت اللغة : قوّمت المتاع : جعلت له قيمة معلومة .
ويقال (تقويم البلدان) أي بيان طولها وعرضها وما يتعلق بها . فعلينا أن نتدارك هذه الكلمة الجديدة ، فنستعمل الصيغة الصحيحة (تقويم) ، حتى لا ترسخ في الاستعمال صيغة (تقييم) على ما بها من اعوجاج .
وجاء في لسان العرب : في حديث عبد الله بن عباس (إذا استقمت بنقد فبعت بنقد فلا بأس به ، وإذا استقمت بنقد فبعته بنسيئة فلا خير فيه فهو مكروه) . ويقول أبو عبيد إذا استقمت – يعني قوّمت – وهذا كلام أهل مكة .
والقيمة ثمن الشيء بالتقويم ، تقول تقاوموه فيما بينهم . وفي الحديث الشريف قالوا يا رسول الله لو قوّمت لنا فقال : (الله هو المقوّم) ، أي لو سعّرت لنا ، أي حددت لنا قيمتها .
والقائم بالدين ، المستمسك به الثابت عليه . وقال الله تعالى : (لا يؤدّه إليك إلا ما دمت عليه قائما) 75 آل عمران ، أي مواظبا ملازما (من أهل الكتاب أمة قائمة) 113 آل عمران ، أي مواظبة على الدين ثابتة .
وقيل في الخليفة هو القائم بالأمر ، إذا كان حافظا له متمسكا به ، وقيّم الأمر ، مقيّمه ، وأمر قيّم ، مستقيم ، (ذلك الدين القيّم) 36 التوبة ، أي المستقيم الذي لا زيغ فيه ولا ميل عن الحق (فيها كتب قيّمة) 3 البينة ، أي مستقيمة تبين الحق من الباطل على استواء وبرهان .
وقيّم القوم ، الذي يقوّمهم ويسوس أمرهم .
والقيّم ، السيد .
والقيّوم والقيام في صفة الله تعالى وأسمائه الحسنى بتدبير أمر خلقه في إنشائهم ورزقهم وعلمه بأمكنتهم .
وقد أجمع اللغويون على كلمة التقويم بمعنى الروزمانة .
جاء في (محيط المحيط) :
(قوّم الشيء تقويما ، عدّله ، ومنه تقويم البلدان لإبانة طولها وعرضها ، وقد ذاع تسمية حساب الأوقات بالتقويم) . وربما سمّي حساب الأوقات بالتقويم ، جمعها تقاويم .
كـتـابـة الـتـاريـخ
إن كتابة التاريخ مرتبطة ارتباطا وثيقا بفن تحديد زمان ومكان الوقائع ، فهي عرض مكتوب لها في كل مجال من حياة الأمم . ولئن كان للغرب اليد الطولى في تأسيس هذا الفن الذي كان (أبوه) هيرودوتس – يقترن اسمه بأبي التاريخ - ، فإن العرب قد أسهموا بنصيب وافر في كتابة التاريخ بحيث شملت آثارهم الكتابة في تاريخ أمم غير عربية . (وكان حياد المؤرخين العرب وقلة تحيزهم سمتين عامتين تثير العجب والإعجاب ، وابتكروا ، لضمان الصواب في تسجيل الأحداث ، تأريخها بالسنة والشهر بل باليوم) .
شـرح كـلـمة تأريخ
يقول الجوهري : التاريخ تعريفه الوقت ، ويذهب المستشرق (فرانز روزنتال) الذي تتبع أصل كلمة (تاريخ) في العربية فرجح أنها مستمدّة من الكلمة السامية التي تعني القمر أو الشهر . وعلى هذا الافتراض تكون الترجمة الحرفية لكلمة (تاريخ) هي : التوقيت حسب القمر . ويروى عن ابن عباس ، رضي الله عنه ، أنه قال : (ذكر الله التاريخ في كتابه لأن معاذ بن جبل قال : يا رسول الله ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير ، ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان على حاله الأول ؟ فنزلت الآية : (ويسألونك عن الأهلّة ، قل هي مواقيت للناس) 187 البقرة .
وجاء في الآثار الباقية للبيروني (التأريخ هو مدة معلومة تعد من أول سنة ماضية تعرف بها الأوقات المحددة ، فلا غنى عنها في جميع الأحوال الدنيوية والدينية ، ولكل واحدة من الأمم المتفرقة في الأقاليم تاريخ على حدة وكل ما يتعلق معرفته ببدء الخلق وأحوال الزمان والقرون السالفة فهو مختلط بتزويرات وأساطير لبعد العهد به وامتداد الزمان بيننا وبينه وعجز المعتني به عن حفظه وضبطه وقد قال تعالى : (ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم) 70 التوبة . فإذا نظرنا في هذا التأريخ أولا وجدنا فيه بين هؤلاء الأمم اختلافا كثيرا .
وللدكتور أحمد زكي رأي خاص حول هذا الموضوع ، يقول : (عرفنا الحياة مكانا حاضرا ، وعرفناها زمانا قصيرا ماضيا ، بقدر ما اتسعت له أعمارنا على هذه الأرض .... أما غير ذلك من الزمان ، فأعماق منه ذهبت عنا بعيدة ، فأسميناها أزلا ، وأعماق منه سوف يأتي بها المستقبل ، ونسميها أبدا .... وبين الأزل والأبد ، ضلّت عقولنا وحارت الأفهام !!! .
جـداول المـوافـقـة
إن وضع جداول التقاويم ، والموافقة بين السنين الهجرية والميلادية فنّ قائم بذاته ، ولكنه للأسف لا يدرّس في المدارس ، وقد اهتم العرب والمستشرقون بهذا ، ورغم الجهود الجبارة التي بذلت منهم ، فإن لهم هفوات وأخطاء ، كما أهملوا بعض التفاصيل ، وهذا الأمر يتعلق بالجداول العديدة التي تمّت . ومن خلال مطالعاتنا وقفنا على أسماء عدد من المخطوطات التي وضعها العلماء العرب ، وهي كثيرة ، ونحن نقدم لكم البعض من علماؤنا الأقدمون ومنها :
الرسالة التي وضعها جلال الدين السيوطي بعنوان (الشماريخ في علم التاريخ) .
(الجواهر واليواقيت في معرفة القبلة والمواقيت) لمحمد أمين السويدي .
(سلّم العروج إلى علم المنازل والبروج) لمحمد بن عبد الرحمن بن عفالق .
وغيرها الكثير الكثير مثل ابن سيدة ، والمرزوقي ، والنويري ، والقلقشندي ، وغيرهم .
أما من الأوقات القريبة :
المستشرق الألماني (وستنفلد)الذي طبع تقويمه في لايزبغ عام 1854م. وأعيد طبعه مرة أخرى عام 1926م.
أيضا خير الدين باشا التونسي ، نثر جداول مماثلة في كتابه (أقوم المسالك) .
أيضا العلامة محمود باشا الفلكي الذي وضع التقويم الأكبر عندما ربط بين التواريخ الهجرية والميلادية والقبطية والعبرية .
أما القرآن الكريم فقد دعانا إلى النظر والتفكير وحساب الأيام والسنين ، وإليكم أرقام بعض الآيات حول هذا الموضوع ، وذلك لعدم التطويل :
189 البقرة / 281 البقرة / 36 التوبة / 5 يونس / 12 الإسراء / 22 الحج / 114 المؤمنون / 62 الفرقان / 3 السجدة / 3 المعارج / 7 المعارج / 19 الانفطار .
الـعـهـود والـعـقـود
القرآن الكريم احترم العهود والعقود وكلها مرتبطة بتواريخ محددة وتعهدات مفصلة ، ومثال ذلك الآيات : 282 البقرة / 1 المائدة / 8 المؤمنون . وفي خطبة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع الكثير حول الزمان ومنها (إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الل السموات والأرض ، وإن عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم ) .... والمقصود من استدارة الزمان هو العودة إلى حساب الشهور كما كان منذ بدء الخليقة .... وفي أدعيته صلى الله عليه وسلم الكثير من التحديد الزماني ، مثل :
اللهم اجعل خير زماني آخره ، وخير أعمالي خواتيمها ، وخير أيامي يوم لقاءك .
كلمة الخـتـام للمقدمة
أفضل مباديء التواريخ مبدأ التاريخين الإسلامي والمسيحي حيث حصل فيهما من – إرسال الله تعالى لمحمد وعيسى عليهما الصلاة والسلام – انقلاب عظيم في البشر ، فجعل المسلمون مبدأ تاريخهم هجرة رسولهم ، كما اتخذ النصارى مبدأ تاريخهم ميلاد المسيح . وكان كلّا من هاتين الملتين تعترف أن مبدأ تاريخها هو أول يوم من حياتها ، وما قبله من الأيام كان مدنّسا بأنواع الدرن . ويقول عباس محمود العقاد : (كما أن التقويم الذي بقي كما كان يوم وضعه هو التقويم الذي يقال إنه غير صالح للبقاء ، لأنه لا يصلح لحساب أعمال المعيشة ومواسم الزرع والحصاد ، وذلك تقويم السنة الهجرية ، فمنذ وضع هذا التقويم لم يتغير له نظام ، وقد تغير بعده نظام كل تقويم قديم) .