بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين 0
أما بعد :
فإن الإسلام هو الرسالة الأخيرة الخاتمة لكل رسالات السماء والناسخة لها
قال تعالى :
( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة:33)
ومن ثم فقد أوجب الله سبحانه وتعالى على الأمة الإسلامية الجهاد في سبيل الله تعالى ،لتحرير البشرية جمعاء من عبادة العباد ليكونوا عبيدا لله وحده لا شريك له ،ولإقامة العدل في الأرض ، ومنع الشر والفساد فيها 0
قال تعالى :
( قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة:29)
وقال تعالى : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) (البقرة:193)
وقال تعالى : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (لأنفال:39)
ومن ثم لا بد من إزالة جميع العقبات التي تقف دون تحقيق هذه الغاية الرفيعة في الأرض ، حتى تصل هذه الرسالة العظيمة والخاتمة إلى كل الناس ، وعندها فلينظروا فيها بمحض إرادتهم دون ضغط ، أو إكراه من أحد، وليختاروا ما يريدون ،فإن اختاروا الإسلام فبه ونعمت ، وإن أبوا إلا البقاء على دينهم السابق فليدفعوا الجزية للمسلمين ، وليتركوا من شاء الدخول في الإسلام منهم أن يدخل فيه دون قسر ولا إكراه 0
وهذه الآية التي نحن بصددها ، هي آية محكمة
وهي قوله تعالى :
{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } {265} البقرة
تأتي في هذا الإطار الذي قلناه
ومعناها هنا أنها تحرم على المسلمين إجبار الناس على الدخول في الإسلام ، لأنه لا قيمة لمن يدخل مجبرا في الإسلام ، وقد عمل المسلمون بموجبها عبر تاريخهم الطويل في تعاملهم مع الناس 0
================
وقد ظن قوم محسوبون على الإسلام والمسلمين، أن هذه الآية ناسخة لآيات الجهاد (( جهاد الطلب ))
وكذلك ناسخة لكثير من الحدود (( كحد الردة )) على حد زعمهم ، باسم حرية العقيدة
وهذا التفسير الباطل لهذه الآية ليس مردُّه إلى علماء المسلمين القدامى ؛ من مفسرين وفقهاء ومحدِّثين ، معاذ الله 0
ولكن مردَّه إلى ثقل الواقع الذي يعيشه هؤلاء ، وانبهارهم بالحضارة الغربية (( التي لم تصدر للعالم سوى الشر والفساد والدمار ))
فراحوا يؤولون النصوص الشرعية المحكمة ، تأويلات بعيدةً عن مفهومها وغاية نزولها ، وبعد ذلك يدَّعون أنهم أصحاب فكر حر ، أو أصحاب الفكر الإسلامي العالمي ، أو أصحاب حوار الأديان !!!
أو أصحاب حوار الطرشان 000
وما أكثرهم اليوم على الفضائيات العربية ، تحت اسم باحث في الفكر الإسلامي ، باحث في حوار الحضارات ، باحث إستراتيجي ، باحث في 0000
وهؤلاء كما قال الله تعالى عنهم في كتابه العزيز :
{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (4) المنافقون
===============
وكذلك لا يجوز لنا شرعا إن كنا مسلمين ( حقا ) أن نلوي عنق النصوص الشرعية لنبرر هزيمة المسلمين ، وبعدهم عن دينهم الحنيف ، مهما أصابنا من فتنة وبلاء ومحنة 0
قال تعالى محذرا من خالف أمره :
( .... فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور:63)
ومن ثم نقول :
هذه الآية الكريمة ليست ناسخة لغيرها، بل مبينة ومقيدة لغيرها ليس إلا ، فنحن لا نجبر الناس على الدخول في الإسلام ،ولكننا مأمورون بتبليغ دين الله تعالى لكل الناس أينما كانوا 0
ومن ثم فنحن مأمورون بإزالة جميع العقبات والحواجز التي تحول بيننا وبين إيصال هذه الرسالة للناس ،{ ...حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه...} (39) سورة الأنفال
فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَجُعِلَ رِزْقِى تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِى وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِى وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ »أخرجه أحمد برقم(5233 ) وهو صحيح .
ومع هذا فإن هذه الآية الكريمة ليست عامة؛ بل من العام المخصوص ، فلم يقل أحد من علماء المسلمين ممن يعوَّلُ على قوله غير ذلك 0
===============
وهناك أنواع كثيرة من الإكراه ، قد أمر بها الشرع الحنيف 0
ومن ثم فإنَّ الإكراه ينقسمُ إلى خمسة أقسام :
إكراه حرام ، وهو مثل إجبار غير المسلم على الدخول في الإسلام ، أو إجبار المسلم على معصية الله تعالى
وإكراه مكروه ، وإكراه مباح ، وإكراه مستحب ، وإكراه واجب ( فرض ) كإجبار المسلم على طاعة الله ؛ كالصلاة، وإجباره على أداء حقوق الناس 0
ومن ذلك العقوبات ، فكلها تقوم على القوة ، ومنها إقامة الحد على المرتد 0
صحيح أننا لم نجبره على الدخول في الإسلام ، ولكنه إذا دخل حرًّا مختارا فيه فلا يجوز له تركه ، ومن ثم نعاقبه على ترك الإسلام ، كحدٍّ من حدود الله تعالى 0
فقد روى الترمذي برقم( 1530 ) عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عَلِيًّا حَرَّقَ قَوْمًا ارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلاَمِ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَوْ كُنْتُ أَنَا لَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ». وَلَمْ أَكُنْ لأُحَرِّقَهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ ». فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ صَدَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِى الْمُرْتَدِّ. وَاخْتَلَفُوا فِى الْمَرْأَةِ إِذَا ارْتَدَّتْ عَنِ الإِسْلاَمِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ تُقْتَلُ وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِىِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ تُحْبَسُ وَلاَ تُقْتَلُ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِىِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ.
=================
وهذه العقوبة لها شروطها المحددة لها شرعا ، وقد تكلمنا عنها في شرح الحديث المذكور مفصلا 0
وهي ليست من باب السياسة الشرعية، الذي يتغير بتغير الأزمان ، بل حدٌّ ثابت مقطوع به بإجماع العلماء 0
كما أننا لا نسمح بالإلحاد والكفر في داخل دار الإسلام ، بحجة حرية الرأي ، أو احتجاجا بهذه الآية الكريمة، كما يحلوا لهؤلاء العصرانيين ( المتفلتين ) حيث إنهم يبيحون السماح بإنشاء أحزاب كافرة ، داخل دار الإسلام ، ويسمحون للملحدين والمبتدعين بنشر إلحادهم وفسوقهم، باسم حرية الرأي، تقليدا للغرب الكافر الضال المنحرف عن كل خلق قويم ، تحت مسميات مختلفة ما أنزل الله بها من سلطان 0
وهذا مخالف مخالفة صريحة لدين الله تعالى ، وللغاية الأساسية من إرساله إلى الناس جميعا 0
قال تعالى :
( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (التوبة:47)
وقال تعالى :{ يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا (27) } سورة النساء
فهذا المنهج هو منهج الله الذي سنه للمؤمنين جميعا . وهو منهج ثابت في أصوله , موحد في مبادئه , مطرد في غاياته وأهدافه . . ...
================
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين 0
أما بعد :
فإن الإسلام هو الرسالة الأخيرة الخاتمة لكل رسالات السماء والناسخة لها
قال تعالى :
( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة:33)
ومن ثم فقد أوجب الله سبحانه وتعالى على الأمة الإسلامية الجهاد في سبيل الله تعالى ،لتحرير البشرية جمعاء من عبادة العباد ليكونوا عبيدا لله وحده لا شريك له ،ولإقامة العدل في الأرض ، ومنع الشر والفساد فيها 0
قال تعالى :
( قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة:29)
وقال تعالى : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) (البقرة:193)
وقال تعالى : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (لأنفال:39)
ومن ثم لا بد من إزالة جميع العقبات التي تقف دون تحقيق هذه الغاية الرفيعة في الأرض ، حتى تصل هذه الرسالة العظيمة والخاتمة إلى كل الناس ، وعندها فلينظروا فيها بمحض إرادتهم دون ضغط ، أو إكراه من أحد، وليختاروا ما يريدون ،فإن اختاروا الإسلام فبه ونعمت ، وإن أبوا إلا البقاء على دينهم السابق فليدفعوا الجزية للمسلمين ، وليتركوا من شاء الدخول في الإسلام منهم أن يدخل فيه دون قسر ولا إكراه 0
وهذه الآية التي نحن بصددها ، هي آية محكمة
وهي قوله تعالى :
{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } {265} البقرة
تأتي في هذا الإطار الذي قلناه
ومعناها هنا أنها تحرم على المسلمين إجبار الناس على الدخول في الإسلام ، لأنه لا قيمة لمن يدخل مجبرا في الإسلام ، وقد عمل المسلمون بموجبها عبر تاريخهم الطويل في تعاملهم مع الناس 0
================
وقد ظن قوم محسوبون على الإسلام والمسلمين، أن هذه الآية ناسخة لآيات الجهاد (( جهاد الطلب ))
وكذلك ناسخة لكثير من الحدود (( كحد الردة )) على حد زعمهم ، باسم حرية العقيدة
وهذا التفسير الباطل لهذه الآية ليس مردُّه إلى علماء المسلمين القدامى ؛ من مفسرين وفقهاء ومحدِّثين ، معاذ الله 0
ولكن مردَّه إلى ثقل الواقع الذي يعيشه هؤلاء ، وانبهارهم بالحضارة الغربية (( التي لم تصدر للعالم سوى الشر والفساد والدمار ))
فراحوا يؤولون النصوص الشرعية المحكمة ، تأويلات بعيدةً عن مفهومها وغاية نزولها ، وبعد ذلك يدَّعون أنهم أصحاب فكر حر ، أو أصحاب الفكر الإسلامي العالمي ، أو أصحاب حوار الأديان !!!
أو أصحاب حوار الطرشان 000
وما أكثرهم اليوم على الفضائيات العربية ، تحت اسم باحث في الفكر الإسلامي ، باحث في حوار الحضارات ، باحث إستراتيجي ، باحث في 0000
وهؤلاء كما قال الله تعالى عنهم في كتابه العزيز :
{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (4) المنافقون
===============
وكذلك لا يجوز لنا شرعا إن كنا مسلمين ( حقا ) أن نلوي عنق النصوص الشرعية لنبرر هزيمة المسلمين ، وبعدهم عن دينهم الحنيف ، مهما أصابنا من فتنة وبلاء ومحنة 0
قال تعالى محذرا من خالف أمره :
( .... فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور:63)
ومن ثم نقول :
هذه الآية الكريمة ليست ناسخة لغيرها، بل مبينة ومقيدة لغيرها ليس إلا ، فنحن لا نجبر الناس على الدخول في الإسلام ،ولكننا مأمورون بتبليغ دين الله تعالى لكل الناس أينما كانوا 0
ومن ثم فنحن مأمورون بإزالة جميع العقبات والحواجز التي تحول بيننا وبين إيصال هذه الرسالة للناس ،{ ...حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه...} (39) سورة الأنفال
فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَجُعِلَ رِزْقِى تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِى وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِى وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ »أخرجه أحمد برقم(5233 ) وهو صحيح .
ومع هذا فإن هذه الآية الكريمة ليست عامة؛ بل من العام المخصوص ، فلم يقل أحد من علماء المسلمين ممن يعوَّلُ على قوله غير ذلك 0
===============
وهناك أنواع كثيرة من الإكراه ، قد أمر بها الشرع الحنيف 0
ومن ثم فإنَّ الإكراه ينقسمُ إلى خمسة أقسام :
إكراه حرام ، وهو مثل إجبار غير المسلم على الدخول في الإسلام ، أو إجبار المسلم على معصية الله تعالى
وإكراه مكروه ، وإكراه مباح ، وإكراه مستحب ، وإكراه واجب ( فرض ) كإجبار المسلم على طاعة الله ؛ كالصلاة، وإجباره على أداء حقوق الناس 0
ومن ذلك العقوبات ، فكلها تقوم على القوة ، ومنها إقامة الحد على المرتد 0
صحيح أننا لم نجبره على الدخول في الإسلام ، ولكنه إذا دخل حرًّا مختارا فيه فلا يجوز له تركه ، ومن ثم نعاقبه على ترك الإسلام ، كحدٍّ من حدود الله تعالى 0
فقد روى الترمذي برقم( 1530 ) عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عَلِيًّا حَرَّقَ قَوْمًا ارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلاَمِ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَوْ كُنْتُ أَنَا لَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ». وَلَمْ أَكُنْ لأُحَرِّقَهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ ». فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ صَدَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِى الْمُرْتَدِّ. وَاخْتَلَفُوا فِى الْمَرْأَةِ إِذَا ارْتَدَّتْ عَنِ الإِسْلاَمِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ تُقْتَلُ وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِىِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ تُحْبَسُ وَلاَ تُقْتَلُ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِىِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ.
=================
وهذه العقوبة لها شروطها المحددة لها شرعا ، وقد تكلمنا عنها في شرح الحديث المذكور مفصلا 0
وهي ليست من باب السياسة الشرعية، الذي يتغير بتغير الأزمان ، بل حدٌّ ثابت مقطوع به بإجماع العلماء 0
كما أننا لا نسمح بالإلحاد والكفر في داخل دار الإسلام ، بحجة حرية الرأي ، أو احتجاجا بهذه الآية الكريمة، كما يحلوا لهؤلاء العصرانيين ( المتفلتين ) حيث إنهم يبيحون السماح بإنشاء أحزاب كافرة ، داخل دار الإسلام ، ويسمحون للملحدين والمبتدعين بنشر إلحادهم وفسوقهم، باسم حرية الرأي، تقليدا للغرب الكافر الضال المنحرف عن كل خلق قويم ، تحت مسميات مختلفة ما أنزل الله بها من سلطان 0
وهذا مخالف مخالفة صريحة لدين الله تعالى ، وللغاية الأساسية من إرساله إلى الناس جميعا 0
قال تعالى :
( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (التوبة:47)
وقال تعالى :{ يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا (27) } سورة النساء
فهذا المنهج هو منهج الله الذي سنه للمؤمنين جميعا . وهو منهج ثابت في أصوله , موحد في مبادئه , مطرد في غاياته وأهدافه . . ...
================